القائمة الرئيسية

الصفحات


 المقامة الدّهرية


حدثنا حزين بن يائس المتشائل قال: 

ولما  طوّقني  الشؤمُ يوما أذيالُه، والتفّتْ حول عنقي براثنُه، وكبست على صدري حوافرُه، وجدتُني على وجهي هائما، أتعقب السرابا واهما، وأسلك مسالك الليل واجما، أدفع الدمعة بالعَبرة، وأردّ الهمّ بالضيم، فاهتديت إلى مفازة لم يرُضْها السّيرُ، وما وطأتها الغربان ولا الطير، حتى وقف عليّ رجل سَمْح المُحَيّا، كالبدر يغازل الثُّريّا، فألقى السلام مبادرا، وفغرْتُ فاهي منبهرا، من حسن طلعته، وبهاء طلته، وجمال حضرته، يكسوه بياض الجلال، وتغشاه هالة الهلال، فقال: 

- ما خطبك يا هذا عبوسا، تحمل الأثقال يؤوسا، وتجر هموما قمطريرا، وتعقد بين حاجبيك حنظلا مريرا ؟

وما أن أكمل سؤاله، حتى بادرته :

هي الدنيا كاذبة ، مخادعة ناصبة، تأتيك مختالة مُوارِبة، وإذا بالهموم تنهشني أثقالا، وتهاوى دمعي على خدّي وابِلا،  واسودت الدنيا في عينِي،  وقلب لي الدهرُ ظهرَ المِجَنِّ ...فغادرتها الى حين.

تقدم الشيخ نحوي يواسي ويُمَنّي وقال وهو يرُجُّني :

- ابتسم يا هذا....

قلت مستنكرا ،ومن كلامه مستنفرا:

-كيف أبتسم .....؟؟؟

قال : ابتسم يكفي التجهم في السماء

قلت: الليالي جرّعتني علقما

فردّ : ابتسم ولو جرّعتك العلقما

فلعلّ غيرَك إن رآكَ مُترنّما

طرح الكآبة جانبا وترنّما 


فأطربني كلامه، وانكشفت عن القلب غمامه، وارتسم على شفتيّ  جناح يمامه، يحمل ألف رسالة ورسالة، إلى كل من ركبه اليأسُ متشائما، وارتدى قميص الندامة، أن يتشبث بالأمل حزاما، ويتّخذ من الرجاء إماما.

أنت الان في اول موضوع
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع