القائمة الرئيسية

الصفحات


مقامة بعنوان المقامة الشامية  



حكى نازح بن لاجئ الأندلسي قال :
جُبْتُ بلاد الافرنج دهرا ، وحكمتها عصرا ، وعُرِفْتُ
فيهم صقرا ،فمالت لهامتي الرقاب ، و خضعت لهَيْبتي الأزلام والأنصاب .
تولّيْت فيهم  الأمر ، و نسبوني الى قريش صقرا ،
أمسك بزمام غرناطة الى أقصى النِّجاد ، و وُلّيتُ
فيهم على طنجة الى الفيافي البعاد ، أعددتُ لغدرهمُ العُدّة والعتاد ، الى أن رفعت العِماد ، واستحكمتُ الأوتاد .
عمدْتُ الى بلادي العودة ، و حنّت حشاشتي الى
أصلها الأوبة ، فركبت الراحلة ، ورافقت في زيّ تاجر القافلة ، أسأل الله تخفيف النازلة ، بعد ان صلّيت الفرض بعده النافلة ، وما نمت وأصبحت ، حتى لاحت لي عدن وحضرموت ، يعلوها رداء
شبح الموت ، فارتعدت مني الفرائص ، واهتزت لذاك الجوانح ، فدقّ مني الفؤاد خفقا ، واضطرب القلب كالطائر نفقا ، فسألت الدليل *أين نحن يا
هذا ؟ *
ردّ ساخرا : * هذه بلاد اليمن السعيد ، جرفتها مياه سد المأرب التليد *
قلت : * واين بلقيس ، و بنو حِمْيَرَ و بنو عبد قيس ؟ *
فثار في وجهي : * ما بك يا هذا ؟ ومن أي زمن
تطلب المددا  ؟ *
فعرج بي نحو أهلي ببلادي الشام ، والمطر من فوقنا يتهاطل أسود كالغمام ، والسماء يكسوها الظلام ، لا يرف في أفقها طير او حمام ......
اعبر السهول ، و انزل السفوح ، وفي طريقي
أشباح وأطياف ، تجر أذيال الخيبة رُزما واكياسَ ألياف ...فاستسلمت لهمي ، وحملت غمي ، علّني أجد بعضا من أهلي وبعض عمّي ، الى أن شخصت بالرقة ، وانتقلنا منها الى حلب فالحسكة ، والأرض خراب لا اهل ولا دار ، نعتلي الأنقاض وننزل الأطلال ، فترمينا المدينة من خرابة الى خرابة ، و شهقت الروح على ابواب تدمر ،
والعين لا تبصر ما يرضي او يسرّ،حتى وهن  منّا الجسد ، وكأنه مفتول بحبل من مسد ،  وقد أخذ منا السغب ، ونال منا النّصَب ،
فجلست الى صخرة ، أبكي أهلي والدمعة مُرّة ،
وأتساءل : هل نحن  حقا من صُلب عبد الرحمن كان لقريش صقرا !؟
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع