القائمة الرئيسية

الصفحات





قصة قصيرة بعنوان :

مِرآة


    لقد أضحت المرآة اليتيمة الباهتة التي تتزاحم عليها ورفيقاتها في المسكن ، تحطم آمالها و تعصف بأحلامها ...وهاهي مرة أخرى تجد لها مكانا داخل مصعد المبنى التجاري ، الذي لا تدخله إلا نهاية كل شهر حين تصرف راتبها الهزيل من معمل النسيج.. ابتسمت وهي تتأمل جسدها الغض الممشوق في مرآة المصعد ، رفعت يديها ترتب بعض خصلات شعرها الأشقر الذي تلاعبت به رياح الزحام وسط الحافلة التي نزلت منها للتو....
أحست برطوبة الجو داخل المصعد ، تنفست الصعداء ، وهي تلتهم بعينيها اللامعتين قوامها الذي تلفّه تنورة بنفسجية تعانق قميصا أبيض بحزام أسود رفيع يشد خصرها شدّا ، و على صدرها ينحدر  وشاح مزركش  فيلقي بوميض جيدها اللامع على نهديها البارزين من فتحة القميص المفتوح على مصراعيه  ....
اعتدلت في وقفتها قبل أن تمد أصبعها إلى أزرار المصعد ،فإذا بها  تلمحه من المرآة....إنه هو  نفس الشخص ، يقف خلفها مستسمحا له موضعا في الطرف الآخر من المصعد .....لم تصدق عينيها ، كم تمنت في قرارة نفسها أن يجمعهما مكان فوق السحاب .....لطالما أحست به يتربص بها ، وبخطواتها ، حتى تعودت على وجوده وهي في طريقها إلى المعمل ضاحية المدينة  ، فأضحت عيناها تبحثان عنه كل صباح ،شوقا إلى نظرة خاطفة من عينيه العسليتين ....
هاهو القدر يأتي به إليها اليوم و بجانبها ، و قد ضمهما  في نفس المصعد.....
تنهدت وقد ابتلعت لسانها وجف ريقها :
- أيعقل هذا ؟!
 انتبهت على وقع صوته وهو يشيح بوجهه عنها:
- الطابق من فضلك ؟
ارتبكت ، انتفضت جميع أوصالها هامسة بصوت مبحوح بعد أن جف حلقها :
- الطابق الثالث
ضغط الشاب على الرقم بخفة متناهية ، مبتسما مطأطئ الرأس ....
انطلق المصعد ...فتاهت في ملامحه ...تنهشها بكل جوارحها ..وهي في قمة نشوتها وفي عز انتظاراتها ، لمحته من المرآة يتحرك من  مكانه فرفع إليها نظرته الذابلة اخترقت عينيها فأوقعتها صريعة
أمام هامته الطويلة ، فبدت كغزال وسط الفلاة ، يحتمي بسراب المرآة ....
 تقدم خطوة نحوها  ، اجتاحت الحرارة جسدها الغض ، توالت نبضات قلبها ، فضمّت إلى صدرها حقيبة يدها حتى لا ينفجر ....
تخيلت في لحظة خاطفة أنها وإياه يمتطيان صهوة سحابة قطنية ناعمة .....
بادرها بالتحية والسلام هامسا، ردت بصوت غير مسموع، وقد انفجرت وجنتاها لهبا ...اقترب أكثر من جسدها فأحسّت بشيء حادّ ينغرز في خصرها ...باغثها قائلا على صوت المصعد وهو يوشك على التوقف :
( آنستي الجميلة ...هات حقيبتك ....وإيّاك أن تتنفّسي  ..)
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع