قصة قصيرة بعنوان:الموؤودة
هكذا عوّدها والدها ، بل ورثت عنه مجموعة من مجلات *العربي* في أعدادها الأولى والتهمت قصص وروايات يوسف السباعي و نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وعاشت حياة أبطال قصص سميرة بنت الجزيرة العربية ، كما نهلت من روايات جرجي زيدان و اختبرت حياتها من قصص يوسف إدريس ، أما *مدن الملح * فقد كانت عالمها الذي لا تبرحه وكلما عثرت على كلمة جديدة اعْتَرَتْها نشوة ما بعدها نشوة وكأنها عثرت على كنز يقودها الى معجم اللغة تنبشه نبشا .قضت مراهقتها إلى شبابها بين رفوف غرفة مكتبة خاصة بوالدها ،في ركن قصِيّ من البيت ، لم يكن يهمها ما يشغل أخواتها من لباس وزينة ومرايا ، فكلما سنحت لها الفرصة أن تهرب إلى غرفة والدها ، لجأت إلى تلك الرفوف وأزرار المذياع الذي يحتل ركنا كبيرا منها ،حتى حفلات الأسرة وأعراسها لم تشغلها عن عالمها الصغير ...فقد تكلف أخوها أحمد بتزويج أخواتها وبمهمة "سترهن" كما يقول ، بينما هي فقد كان طموحها أكبر من سنها ، فتفوقت على أقرانها وكتبت نصوصا ومواضيع إنشائية أبهرت معلميها بل أثارت استغراب بعضهم فشكّكوا في قدرتها على الكتابة بهذا الشكل المُلفِت ، فاختبروها و في الأخير انحنَوا إجلالا واحتراما لِنَصْلِ قلمها الذي لا يقل حدة عن بصرها .
كانت في التاسعة عشرة من عمرها حين ولجت مُدرجات الجامعة ، وتدرجت بين أسلاكها بشكل ملفت لأساتذتها ، فقد عرفت بجرأتها وسِعة أفقها وتوسّموا منها خيرا كبيرا وتنبأوا لها بمستقبل مشرق وبقلم رنّان في سماء الأدب إلى جانب الأسماء التي كانت تقرأ لها.
لم تكن تهتم بمظهرها بين الطالبات ، بقدر ما كانت تهتم بحضور الندوات والأنشطة المسرحية والفنية والثقافية التي تنظمها النوادي الجامعية بل تقوم بتغطيتها فكانت أول من أنشأ أول مجلة في كُلّيتها ، تعدّى صداها أسوار الحَرَم الجامعي ؛ هي التي طالما راودها حلم الصحافة وخوْض غمار مهنة المتاعب ؛ ليس كمذيعة أو كصوت أو وجه إعلامي، لكن كقلم يحسب له ألف حساب ....
أتمّت دراستها وحصلت على الشواهد وحصدت الألقاب فاستشارت أخاها البكر لتأخذ إذنه بمتابعة دراستها وتتخصص في مجال الصحافة ، بالعاصمة بعيدا عن مدينتها ، لكن قصور أحلامها انهارت أمام رده :
- أمامك مدرسة المعلمات ، فهي المناسبة للفتاة .
أما أمها المسكينة التي لم يكن همها إلا الستر كما علموها ، فلم يكن لها رأي في مثل هذه المسألة الشائكة ؛ إنها مسألة عار بل حياة أو موت ، فحسب رأيها :
- مكان الفتاة هو بيت زوجها، وكل ما عدا ذلك فهو وهم .
لاذت إلى غرفتها ،ملاذها الوحيد تشكوه همها ، وصدى صوت والدها يتردد في أرجائها:
-" سمع الله لمن حمده ؛ ربنا ولك الحمد " ... فيوقظها الصوت من نومها مشدوهة بين الحلم والواقع ...كم ترجّت أن يسمعها كما تسمعه ، فتبحث بأصابعها عن ازرار المذياع القديم تداعبها ، فلا يصلها منه إلا صفير متقطِّع يصُمُّ الأذان .....
...وإذا الأحلام وُئدت...كم من أحلام اندثرت تحت سلطة واهية...راقت لي القصة...
ردحذفشكرا جزيلا
حذف