قصة السنجاب والعصفور ؛
عن عاقبة الكبر والغرور .
كان يا مكان ، ويا سادة يا كرام ، في غابر الأزمان ، و سالف العصر والأوان .....
زعموا أنه كان في أرض خضراء ، تغطيها نبتة الحناء ، وتكسو جبالها أشجار غنّاء ، منها الفاكهة تتدلّى، وعلى أغصانها الطيور ترقص و تتغنّى .
كان في ذلك المكان شجرة عظيمة ، كثيرة الغصون ، ملتفة الأوراق ، وقد سكن عصفور أحد أغصانها المتينة ، واتخذه عشا أحاطه بالعشب وفتل حواشيه بنبتة الحناء الحمراء الجميلة ، فبدا العش كأنه وكر نسر او قصر صقر ، يقضي نهاره يتفقده ويعالج جوانبه مغردا ، يقفز بين جنباته مطربا ، ويقضي ليله يتمايل حول ريشه معجبا ......
و في أسفل الشجرة العظيمة ، قد اتخذ السنجاب جذعها مسكنا ، حفره بأسنانه حفرا ، فجعله مخزنا لمؤونته ، يقضي النهار كله يتغذى بألذ فواكه الجبل ، من بلوط وفستق ، وكرز وبندق ، ويتلذذ بما تجود به الطبيعة حوله ، وينط فوق عشبة الحناء الى ان أضحت قوائمه مذهبة ، تلمع وتشع اينما ذهبا ، ويجمع سلال البلوط يفرغها في جذع الشجرة ، ويملأ مسكنه ذخيرة وزادا لأيام الجوع الخطرة ، ولليالي القرّ و الزمهرير ، والعصفور فوق رأسه يزقزق ، ولا يتوقف عن القفز حول عشه مختالا ، وبمسكنه الوتير معجبا ، ان دعاه السنجاب الى تناول ثمرة ، تكبر ومال عنه متجبرا ، عازفا عن جاره متكبرا .
توالت الأيام ، وانقضت الليالي في لمح البصر ، وبينما العصفور على النهر في رحلة مصيف ، عصفت بعشه رياح الخريف ، عرّت الشجرة العظيمة من اوراقها ، وأسقطت عشه بين قوائم السنجاب ، جمع المسكين أطراف العش المشتتة ، ومنها صنع بابا لمسكنه وأحكم اغلاقه ، بعد أن ملأه زادا يكفيه شهورا ، ولون الحناء يزيده شأنا و وقارا .
عاد العصفور من رحلته ، لمح من بعيد شجرة مسكنه ، وقد غادرها الورق وسكنتها الريح ، لا يسمع حولها غير الصفير ، دقّ باب السنجاب على جذع الشجر ، فلم يأتيه رد أو خبر ، وجناحاه يرتعشان من البرد والوجل ، فركن الى باب السنجاب ليحتمي ، وهو بحاجة الى قطرة ماء ليرتوي .
لمحه السنجاب من شق ببابه مرتعدا ، و أنصت الى أنينه مستمعا ، حتى تأكد من وجوده خلف الباب متوسلا ، رمى اليه ببعض حبات البلوط ....و بعض قطع البندق المنضود ، ليسد به رمقه ، ويقوي به جناحه ، ويربط به جأشه ، حتى يتمكن من الطيران ، الى حيث الأمان ،بعيدا عن المكان ، فلا ظل هنا ولا دفء ، ولا أكل ولا فيء ، انه الخريف لمن أعد له العتادَ ، وجمع له العدّة والمَددا، بعزيمة وإرادة ، دون كبر او غرور ، ولا خيلاء او فتور .
فكانت هذه عاقبة كل من كان مختالا فخورا ، ان يقف متوسلا صاغرا ، على باب من كان له يحتقر ، و طالبا عطف من كان بخيلائه يستصغر .
قصة رائعة ❤
ردحذف