القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة قصيرة بعنوان :رسالة تعزية


لا زلت أعيش على ذكراك ، فالندوب لا تبرح مكانها ولو طال بها الزمن ، رحيلك كان ضربة قاسية حطمتني ، حتى الجدران علتها الخدود وكستها شباك العناكب ،
لم يصدق أحد أنك سترحلين يوما هكذا ودون سابق إنذار ، ولم يخطر ببالي بأنك ستتركينني وحيدا أتخبط في هذا العالم الذي فتّحتِ أنتِ عينَيّ على أسراره ودهاليزه .
لا يزال مكانك شاغرا ، في روحي كما على الجدران ، هاهي قد تشققت ونما العشب الأخضر مكانك .
كنتِ تبدين لي حلما بعيد المنال ، فكنتُ أكتفي بمراقبتك من بعيد ، أتملى طلعتك البهية ، وذاك الرداء الأسود الذي كان يلفك بهاء ، سواد يفرش حياتي مروجا تطرزها شقائق النعمان ، كان في الحقيقة سوادا يليق بك ، فيوقع قلبي في متاهات الحيرة وينهش صدري حرقة كلما غاب عني لحظة ، ومن ذاك السواد أتقنت التخشّع في صلاتي على بلاط أعتابك ، وعلى وإثره كنت أتعقّب نقع خيل عنترة على أطراف أهدابك ، و أنسج نونيات زيدون على حواشي عباءتك ، و ها أنذا اليوم أقف قيسا هائما على أطلال توْبادك ....
لقد قضيت صباي ومراهقتي وشبابي معلقا كل آمالي وطموحاتي عليك ، بصري لا يفارقه طيفك .
لا أزال اتذكر اول يوم تواضعتِ لي وحضنتني بين ذراعيك ، فألفيتها حضنا دافئا ، فعلى وقع نبض قلبك على صدري تعلمت دروس الحساب ، و خططت بيدي بين أضلاعك أولى حروف العشق و اجمل قصائد الغرام الأول ....وبين جناحيك كان يحلو لي ان أستمتع بحكايات شهرزاد ...ولكن ها أنت تغادرين عند صياح أول الديكة ...
دخلت ذلك اليوم حجرتي ، مشتاقا الى حضنك ، الى لفة من جناحيك الوديعين ....اه كم كان المكان موحشا كان خلاء بحجم الصحراء ... أحسست بهوة تحفر في صدري ، كما شعرت بهوة سحيقة دون قرار تجرفني اليها ويجرف العالم معي نحوها ، وأنا أصرخ هائما على وجهي :
* لم يحدث هذا منذ ثلاثين..فكيف ترحلين فجأة ؟!*
بادرني أول المُعزّين ساخرا :
* لقد انتهى عهد سبورتكَ السوداء ، انه عهد جديد ، عهد السبورة الالكترونية *


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع