💗 قطوف أدبية #2 💗
من حدائق التراث العربي
وقطوفنا اليوم عن ظروف نشأة أدب المقامة وعن بناء نص المقامة ،
الظروف السياسية :
أطل القرن الرابع الهجري على الدولة الإسلامية فوجدها من الوجهة السياسية تفاريق وأجزاء . عصفت بها رياح الخلاف ، والاختلاف .
أسهم فيها خلفاء بني العباس في قيام دويلات لهم ساهموا في الإغراء بقيامها إغراء قويا شديدا .
هذه الدويلات التي أنشأها بني العباس حركت الدوافع الكامنة في نفوس كثير من الأجناس ، والقوميات التي يتشكل فيها جسم الدولة العباسية على أساس عرقي أو إقليمي .
في ظل هذه الظروف السياسية ، وما أصاب الدولة الإسلامية من تدهور سياسي مريع برز فن المقامة واستوى ناضجا له أصوله ، ومقوماته ، ملامحه ، وسماته .
برزت الحركة الأدبية بروزا واسع النطاق في عصر كثرت به المشاكل ، والفتن بالإضافة إلى تغييرات في المجتمع العباسي في أساليب البناء ، والأكل ، والغناء ، والحياة بأسرها هي التي أصبحت الأساس التي قام عليها المجتمع العباسي الجديد ، والتي جهد في تصويرها بديع الزمان الهمذاني من خلال مقاماته .
الظروف الاجتماعية :
اتشحت الحياة الاجتماعية برداء الحياة السياسية الخلق وراح أمراء تلك الدويلات المتناثرة على بقعة الأرض العربية الإسلامية يتنافسون في ابتداع ألوان من السرف ، ويفتنون في ابتكار ضروب من الترف ، قد يستطيع العقل أن يتخيلها ، ولكنه يعجز تماما عن أن يحققها .
كان من الطبيعي أن تكون هذه الحياة البذخة الممزقة باهظة التكاليف ، وهذه التكاليف الباهظة يجب أن يتحملها الشعب المقهور كي لا يفسد على سادته متعتهم ، وينغص عليهم مسرتهم , وعيشهم .
في ظل هذه الحياة اللاهية العابثة من جانب ، والقاسية من جانب آخر كان من الطبيعي أن تكثر المجاعات ، وتنتشر السرقات ، وتفشي ألوان من الفسق ، وتشيع الكدية ، والاستجداء .
لم يكن حال الأدباء في هذا العصر أفضل من حال مواطنيه فقد انقسموا إلى صنفين :
1. صنف أتيح له أن يتصل بالأمراء ، ويخالط الوزراء ويحيا على أكتافهم ينعم بلذائد الحياة المادية ما وجد إلى ذلك سبيلا .
2. صنف آخر لم يتح له النجاح في تحقيق الصلة مع الأمراء ، والوزراء أو عافت نفسه ذلك الاتصال هؤلاء قاسوا شظف العيش وضنك الحياة وعانوا لذع الحرمان ومرارته .
شاعت في هذا العصر ثلاث ظواهر في المجتمع آنذاك شيوعا كبيرا :
1. الظاهرة الأولى : الاستكثار من الجواري ، والغلمان .
2. الظاهرة الثانية : انتشار مجالس اللهو , والمجون وتفشي الإباحية .
3. الظاهرة الثالثة : ظهور طائفة من الأدباء الفقراء يجوبون البقاع يتكسبون بأدبهم ويتسولون به لقمة العيش لأولادهم ويحتالون في سبيل ذلك احتيالا بالغا , وقد يستغلون سذاجة البسطاء من عامة الناس عرفت هذه بأهل الكدية وهو ما صرح عنه بديع الزمان في بعض مقاماته .
الظروف الثقافية :
تحول كثير من الأدباء في هذا العصر إلى ندماء في قصور الخلفاء أو مستجدين لأموالهم بواسطة المديح إلا أن هذا الجانب وحده لا يعطي صورة حقيقة للحركة الفكرية .
لم يقتصر العباسيين في فكرهم على الفكر العربي الإسلامي الخالص بل فتحوا الباب واسعا أمام التيارات الثقافية المختلفة المعروفة آنذاك ( الهندية , الفارسية , اليونانية ) تركوها تتصارع مع الفكر الإسلامي الخالص , وتلونه .
لقد فتح العباسيون المجال لحرية الفكر في كل اتجاهاتها إلا اتجاها واحدا هو التعرض إلى سلامة الدولة .
لقد أصبح الفنان الشاعر و الأديب في كثير من حالاته بهلوانا أو مستجديا في قصور الخلفاء . ثم أن الفكر نفسه قد صار يتعامل به المشعوذون .
أمكن لنا ذلك أن نعرف أن ما جمعه بديع الزمان في مقاماته بمهارة تقدم صورة واهية لذلك المجتمع العباسي . غير أن الصورة التي استقى منها بديع الزمان فن المقامة تظل ناقصة إذا أهملنا ظاهرة هامة لعبت دورا رئيسيا في تلك الفترة وهي ظاهرة البؤس التي آل إليها كثير من الأدباء , وأصحاب المهارات في ذلك المجتمع وهنا تتضح كيف كانت المقامة الفنية عند بديع الزمان الهمذاني وليدة بيئة بعينها في مرحلة معينة من مراحل التاريخ .
بناء المقامة :
للمقامة بناء تسير عليه مكون من دعائم لتصل إلى وحدة فنية ومن هذه الدعائم :
1 - الحادثة :
لابد في الحادثة من بنائها على حكاية ثم عرضها بطريقة التسلسل , والتتابع .
لابد أيضا من اشتمالها على عنصر التشويق لينطلق الكاتب بعد ذلك إلى السرد .
2 - عنصر التشويق :
ينبع هذا العنصر من نفسية أبطالها حتى يستثير انتباه القارئ .
3 - السرد :
لا بد أن يكون السرد في المقامة مغري ، حتى يحمل القارئ على المتابعة وذلك بعرض المشاهد , وربطها ببراعة مع بعضها البعض .
4 - العقدة
5 - التدرج في الحل :
ثم اعتمادها على التحليل الدقيق ليصل بعدها الكاتب إلى النهاية .
المقامة في العصر الحديث :
لم يخل قرن واحد من القرون من فن المقامة ومع ذلك فقد وجدنا في هذا العصر إلى جانب الأنماط المقامية التي تواكب أسلوب المقامة الكلاسيكية أنماطا أخرى مختلفة تماما سواء من حيث الشكل أو المضمون .
إن هذا العصر هو عصر التخصص ( عصر الصحافة , القصة , المقالة ) فقد كان طبيعيا أن يأخذ كل فن مجاله الطبيعي ولعل هذا التجديد جاء نتيجة الديباجة المقامية التي احتوت في داخلها ألوان شتى من الفنون لم يشأ لها أن تظهر في الصور القديمة على نحو مستقل .
من الطبيعي أن تتجه المقامات الحديثة اتجاهات متشعبة كخطوة أولى نحو اتصال الفنون التي اشتملت عليها المقامة القديمة وظهورها كفنون مستقلة .
لم تعد للمقامة في العصر الحديث فعاليتها القديمة فقد آل أمرها إلى التفكك , والتحلل من عناصرها المختلفة التي ظلت تتكون منها وهي القصة , والمقالة .
هذا العصر عصر التخصص في الأنواع ولم يكن من الممكن أن يقبل الذوق العام المعاصر فنا كفن المقامة فهذا العصر ( عصر القصة , والمقالة , الكاريكاتور ) وهي فنون جميعها تغني عن فن المقامة .
اتجاهات المقامة الحديثة :
- مقامات التزمت المنحى الكلاسيكي :
ونعني بها المقامات التي سارت على النمط الذي وضعه بديع الزمان الهمذاني أو التزمت بتقليد نموذج قديم سبق إليه المقاميون من بعده مثل مقامات محمد أفندي الجزائري .
- مقامات جنحت نحو أدب القصة :
كحديث عيسى بن هشام للمويلحي .
- مقامات جنحت نحو أدب المقالة بوجهها العام أو بصورتها القصصية :
مثل المقامة الشريفية في مزايا اللغة العربية / محمد أفندي شريف .
الخاتمة
السمات المميزة لفن المقامة عامة :
الظاهرة العامة التي اتسمت بها المقامة عامة هي ظاهرة النقد والثورة وكشف العيوب الإنسانية ، والاجتماعية ووضع البديل لها في بعض الأحيان ، ومن هنا تبدو الأهمية الحضارية ، والتاريخية لهذا الفن .
تعليقات
إرسال تعليق