قصة قصيرة بعنوان :حافة الذكريات
فجأة وقعت عيناه الغائرتان في عينيها البريئتين النابضتين بالحياة ، توقف فجأة عن الطرق، فلمعت عيناه كما لم تلمعا من قبل ، انفرجت أسارير وجهه ونثرت تلك الشعيرات بعيدا لتكشف عن ابتسامة مجهدة وكأنها كانت عالقة بحافة بئر عميقة ، تحرك قليلا وهو يعتدل في جلسته ، ومد يده نحو جيب ذاك المعطف الضخم الذي يكسو جميع جسمه ، ليخرجها أخيرا ممدّدة نحو الصغيرة بعلبة بسكويت مغلفة ومحكمة الإغلاق ، أومأ إليها برأسه مشيرا أن تأخذها ...وألح في ذلك إلى أن تحركت بخطواتها الصغيرة نحوه ومدت يدها الصغيرة نحوه فأمسكتها من طرفها .
احتلت الابتسامة كامل وجهه ، فتدفقت نضارة تغزو أساريره، فتبدّت أسنانه التي كستها صفرة داكنة ، وهو يتأمل حركتها الخفيفة استولى على كامل كيانه رائحة عطر طفولي ، لتحلق به على بساط الذكريات وتنتفض في ذهنه صورة ابنته الصغيرة ، في نفس حجمها وحركتها ونظرتها وبنفس العبق الطفولي الذي لا يكاد يبرح جوارحه ، تذكر قفزاتها حوله ، ولا تزال رنات ضحكاتها في مسمعيه ، ضم أصابع يديه على بعض وكأن يدها لا تزال في يده .اتّقدت الذكريات في مخيلته إلى أن داهمت مخيلته ذكرى إغفاءة أوقعته وهو يقود سيارته من أعلى الجسر نحو قاع النهر ، فقد إثرها صغيرته وزوجته إلى الأبد فارتمى في أحضان الوحدة والكحول والضياع .....فقد وظيفته وأهله ونفسه ، ودّع وعيه الذي يغادره لأيام ويحضره ليوم او ثلاث ، يسترزق من صندوق مسح الأحذية إلى أن يستسلم للضياع مرة اخرى .
غرق في ذكرياته السحيقة ، وهي واقفة أمامه تتأمله في وداعة ، وقد علت وجهه نظرة شاردة مريبة ، إلى أن كسر خيطَ هذا التواصل صوتُ أمها صارخة : *هدى !! *، فكانت صرختها في وجه الصغيرة كسكين حاد غرزت في قلب الرجل .
تسمرت الطفلة في مكانها، توارت بسمتها خلف شفتيها الرقيقتين ، وحل الهلع محلها ، وهي تنظر إلى أمها المتحفّزة نحوها مؤنبة مزمجرة ، وانتزعت علبة البسكويت من يدها لتلقي بها في وجه الرجل وقد جذبت ابنتها إليها تجرها بعيدا ، وقدماها الصغيرتان تتعثران وسط حذائها الوردي الصغير ...مخلفا وقعا ينهش صدره.
عاد إلى عالمه وتكوّر داخل معطفه الكبير ، وتاهت نظراته في الفراغ وألقى بجسده على الأرض يغالب دمعة حارقة و يدفع صندوق مسح الأحذية بقدمه بعيدا مودعا وعيه الى حين .
روعة الابداع
ردحذفشكرا جزيلا 🌹❤️
حذف