القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة قصيرة بعنوان :علبة صوتية


أغلقت العلبة بإحكام وهمست إلى المرآة أمامها :
-*لن يتعرف علي ...لقد تغيرت تقاسيم وجهي ، وتقاطيع جسدي  .....يجب أن أخبره في الرسالة القادمة ... *
وضعت القرط الأول في أذنها  وبدت  الفراشة المتدلية منه زاهية الألوان تقفز بين أرنبة أذنها الى عنقها الناصع البياض فتزيده بهاء ....ابتسمت وتذكرت الفراشات الملونة متناثرة على شعرها الأسود ، كم كان يسعده مقابض الفراشات على شعرها ملونة و موزعة على خصلاتها  وعلى ضفائرها ، تهتز لمشيتها فيقفز قلبه طربا لها ، يسمع صوتها فتذهله ضحكتها ....رتب كل حياته لتكون أهم شخوصه ....
  كان يطربه أن يرافقها ويشد على يدها الرقيقة ، بكل ما أوتي من قوة ، وكلما همت بسحب يدها من يده ، يتوقف فزعا ،حتى ترتّب شعرها بيديها ، وتزيل خصلاته المبعثرة على  عينيها الواسعتين ، فتغمضهما   و رموشها السوداء تلامس حمرة خديها فيتراقص فراش قلبه وتتّسع بسمته وهو يتأملها ....
تذكرت ما قالت له ...في آخر رسالة :
-*لا أزال أقرأ السعادة في عينيك ، تلمعان حبا ، حين تعود إلى البيت مشتاقا إلى معانقتي ، وتتلقّفني بين يديك كما يتلقّف الأفق شمس الأصيل ، فيغيب وجهي الصغير في أحضانك *
نظرت نحو الهاتف جنب العلبة ،  سمعت رنين  إشارة وصول رسالة جديدة ، لم تهتم بها ، ولكنها فتحت العلبة ثانية وشرعت تعيد ترتيب محتوياتها ..... فراشات صغيرة ، ومقابض ملونة ، ومشدات الشعر ودبابيس ، وصور قديمة ....
لقد  كان يعشق شعرها الأسود  المنساب حول عينيها ،
فتذكرت رسالتها الأولى إليه ، تتذكر اليوم والشهر والسنة ،صباح 25 يونيو 2015، بعد أن غادرها إلى الأبد .
 حملت  بين أصابعها هاتفه الرمادي ، وضمته إليها ثم طبعت قبلة على صورته ، وفتحت علبة الصوت وأرسلت أول رسالة اليه : 
- *لن أنساك أبدا ..أتسمعني ؟ *
ومنذ ذلك اليوم وهي تخبئ هاتفه عن الأنظار ، ترسل إليه كل يوم رسالة ، كلما غفلت عنها الأعين.....تشكوه همها وتبثه حزنها وتبكي أحيانا كثيرة ،ثم تبعث بالرسالة ...ولا من مجيب .
وكلما عاودها الحنين جلست إلى الهاتف ،تستمع إلى رسائلها اليومية القديمة ثم تبعث برسالة جديدة ، تخبره بكل ما جد في حياتها ، تخبره عن شعرها وفراشاتها ودُماها ومقابض شعرها ....عن كراساتها ....فتهيم  في ذكراه كما تهيم الجِمال وسط الفلاة تتبع  خيوط شمس الأصيل فتُلْفيها سرابا .
انتبهت من غفلتها ، فوقعت عيناها مرة ثانية على الهاتف ، وفكرت أن تبعث إليه برسالة جديدة تخبره عما لحق جسدها من تغيير وما حل بملامحها وشعرها بعد كل هذه السنوات ....وما أن فتحت  الرسالة التي وصلتها حتى اهتز جسدها للصوت  .....صوت تعرفه جيدا .....وتسمعه كل ليلة قبل نومها ....
سمعت صوته قادما من بعيد
فقفزت من مكانها ثم تسمرت جنب باب الغرفة صارخة :
-* أمي أمي .إنه أبي ......
صوت أبي ...رسالة صوتية من أبي ......*
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع